محرك الطرد المركزي: القوة الخفية وراء تخصيب اليورانيوم

محرك الطرد المركزي: القوة الخفية وراء تخصيب اليورانيوم


يُعد محرك الطرد المركزي، أو جهاز الطرد المركزي، تقنية محورية في عالم العلوم والصناعة، وبشكل خاص في عملية تخصيب اليورانيوم. تعتمد فكرة عمله على مبدأ القوة الطاردة المركزية

وهي قوة وهمية تنشأ في إطار مرجعي دوار وتدفع الأجسام بعيدًا عن مركز الدوران

لنتعمق في تفاصيل هذه التقنية المذهلة، من مبدأ عملها إلى تطبيقاتها الأكثر حساسية.


كيف يعمل جهاز الطرد المركزي؟
في جوهره، يتكون جهاز الطرد المركزي من دوار أسطواني الشكل يدور بسرعة عالية للغاية داخل غلاف مفرغ من الهواء

عند إدخال مادة ما، سواء كانت سائلة أو غازية، إلى هذا الدوار، تتعرض جزيئاتها لقوة طاردة مركزية هائلة

تعتمد شدة هذه القوة على كتلة الجسيم وسرعة الدوران ونصف قطر الدوران


مبدأ الفصل: تختلف قوة الطرد المركزي المؤثرة على كل جزيء باختلاف كتلته

فالجزيئات الأثقل تتعرض لقوة طرد مركزي أكبر وتتحرك نحو الجدران الخارجية للدوار، بينما تتجمع الجزيئات الأخف قرب المركز

يُستغل هذا الاختلاف في عملية الفصل، حيث يمكن جمع المكونات المختلفة للمادة على أساس كثافتها أو كتلتها.
سرعة الدوران: مفتاح الكفاءة
تُعد سرعة دوران الدوار هي العامل الأهم في تحديد فعالية جهاز الطرد المركزي

في تطبيقات التخصيب الحساسة، يمكن أن تصل سرعة الدوران إلى عشرات الآلاف من الدورات في الدقيقة (RPM)، وفي بعض الأحيان تتجاوز 90,000 دورة في الدقيقة

لتحقيق هذه السرعات الفائقة، تُصنع الدوارات من مواد خفيفة ومتينة مثل ألياف الكربون، ويتم تبريدها للحفاظ على استقرارها ومنع ارتفاع درجة الحرارة نتيجة الاحتكاك

التحدي الهندسي يكمن في تصميم دوار يمكنه تحمل الإجهادات الهائلة الناتجة عن هذه السرعات دون أن يتفتت.
تخصيب اليورانيوم: فصل النظائر
في سياق تخصيب اليورانيوم، يُستخدم جهاز الطرد المركزي لفصل النظائر المختلفة لليورانيوم

وبشكل خاص اليورانيوم-238 (U-238) الأكثر وفرة و اليورانيوم-235 (U-235)، وهو النظير المطلوب للتفاعلات النووية في المفاعلات والطاقة النووية

يكمن التحدي في أن الفرق في الكتلة بين هذين النظيرين صغير جدًا (ثلاثة نيوترونات فقط).
العملية: يُحوّل اليورانيوم الطبيعي إلى غاز سداسي فلوريد اليورانيوم (UF6)

يُغذى هذا الغاز إلى أجهزة طرد مركزي متتالية (تُعرف باسم “شلالات”). داخل كل جهاز طرد مركزي، تدور جزيئات UF6 بسرعة فائقة. ونظرًا لأن جزيئات UF6 التي تحتوي على U-238 أثقل قليلاً من تلك التي تحتوي على U-235

فإنها تنجرف نحو جدران الدوار بمعدل أسرع. تُسحب الجزيئات الغنية بـ U-235 من المركز وتُمرر إلى الجهاز التالي في الشلال، بينما تُعاد الجزيئات الغنية بـ U-238 (اليورانيوم المستنفد) إلى المرحلة الأولى أو تُخزن

تتكرر هذه العملية آلاف المرات عبر مئات أو آلاف أجهزة الطرد المركزي المتصلة على التوالي لتحقيق درجة التخصيب المطلوبة


الاستخدامات الأولى
يعود مبدأ الطرد المركزي إلى أواخر القرن التاساشر، حيث تم استخدام أول أجهزة الطرد المركزي البدائية لفصل الحليب عن القشدة

أما فيما يتعلق بتخصيب اليورانيوم، فقد بدأ البحث الجاد في تطوير أجهزة الطرد المركزي لهذا الغرض خلال الحرب العالمية الثانية كجزء من مشروع مانهاتن السري

ومع ذلك، لم تُصبح هذه التقنية فعالة اقتصاديًا على نطاق واسع في ذلك الوقت مقارباً بالأساليب الأخرى مثل الانتشار الغازي


شهدت الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي تطورات كبيرة في تصميم أجهزة الطرد المركزي، مما جعلها أكثر كفاءة واقتصادية. أول استخدام واسع النطاق والفعال لأجهزة الطرد المركزي في تخصيب اليورانيوم على مستوى صناعي كان في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، وذلك بفضل جهود الاتحاد السوفيتي والمشروع الأوروبي URENCO.
فعالية تخصيب اليورانيوم
تُعد أجهزة الطرد المركزي اليوم التقنية الأكثر كفاءة وفعالية لتخصيب اليورانيوم. تتميز هذه الطريقة بالعديد من المزايا مقارنة بالتقنيات القديمة مثل الانتشار الغازي:

  • كفاءة عالية في استهلاك الطاقة: تتطلب أجهزة الطرد المركزي طاقة أقل بكثير لتشغيلها مقارنة بطرق التخصيب الأخرى.
  • بصمة بيئية أصغر: ينتج عنها نفايات أقل، وتكون عملية التشغيل أكثر نظافة.
  • مرونة: يمكن توسيع نطاق منشآت التخصيب أو تقليصها بسهولة عن طريق إضافة أو إزالة وحدات الطرد المركزي.
  • إنتاجية عالية: على الرغم من أن كل جهاز طرد مركزي بمفرده ينتج كمية صغيرة من اليورانيوم المخصب، إلا أن توصيل الآلاف منها على التوالي يمكن أن ينتج كميات كبيرة.
    في الختام، يظل محرك الطرد المركزي مثالًا رائعًا لتطبيق المبادئ الفيزيائية الأساسية لحل تحديات تقنية معقدة. من فصل المكونات في المختبرات إلى توفير الوقود للمفاعلات النووية، تظل هذه التقنية القوية والمتطورة حجر الزاوية في العديد من المجالات العلمية والصناعية، مع استمرار الأبحاث لتحسين كفاءتها وقدراتها.

About The Author

About Me

Web ~  More Posts

كاتب وباحث في تاريخ الأمم ولديه عدة مؤلفات منشورة ورقيا والكترونيا

AMR GADO

كاتب وباحث في تاريخ الأمم ولديه عدة مؤلفات منشورة ورقيا والكترونيا

Related Posts

قصة : عقار الحياة

ظهر ف الآونة الأخيرة وباء قاتل يسمي “كورونا” ولا يوجد له علاج ف العالم واصيبت جميع مدن العالم الكبري بالهلع فهناك روما التي أصبحت مدينة أشباح، طرقاتها تخلو من البشر…

حِرف يدويه برعاية الرحّاله

إيمانًا منا بدعم المواهب وإتاحة الفرصة للجميع للتعبير عن مواهبهم مشغولات يدوية غاية ف الروعة والجمال (ملابس و ألعاب أطفال) بعضًا من المشغولات اليدوية لحقائب اليد النسائية .

Comments (0)

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *