قصة : مقابر عائلة تشيس

لطلاما كانت القبور مصدرا للخوف و إثارة الرعب في النفوس، مهما كان شكلها و هيئتها فرائحة الموت و الخراب دائما تنبعث منها، لطلاما ارتبطت بقصص الأشباح و الجن و الكائنات الخرافية و السحر

لغز اليوم يأتينا من واحدة من أجمل المناطق في العالم، جزيرة ياتقي فيها الجمال الخلاب بسحر الطبيعة

و كأن الطبيعة الأم تركت لذلك المكان قدرا كبيرا من الجمال يكفي قارة بأكملها، البحار صافية تلاقي الشمس الذهبية في شرق البحر الكاريبي إنها جزيرة باربادوس .

لكن تلك أرض تلك الجنة الاستوائية هي الشاهد الوحيد علي واحدة من أغرب الألغاز التي حيرت العقول إلي يومنا هذا

حيث حملت تلك الجنة علي أرضها مقبر عائلة تشيس، ذلك المدفن الذي تم تشيده علي التل المطل علي البحر الكاريبي

في الأراضي التابعة لكنيسة أبرشية المسيح عام 1724م من قبل السيد جيمس إليوت، كان للحق قبراً مهيب شيد من المرجان و الخرسانة غائرا إلي منتصفه في الأرض

يتم الدخول إلي القبر عن طريق درجات حجرية تنازلية ومختومة ببلاطة ضخمة من الرخام الأزرق والتي يقال إنها تطلبت من 6 أو 7 رجال لتحريكه

و قام بتقسيمه إلي شيء أشبه بالخانات لكل شخص المكان المحدد الخاص به.

و قد ظل المدفن صامدا لأعوام عديدة حتي و طأت أرضه التابوت الخاص بالسيدة إليزبيث إليوت زوجة جيمس في عام 1792

و لم يكن هناك أحد دفن فيه من قبلها، الأمور إلي هنا تسير بمنحني طبيعي دون أي خوارق إلا أن سمعة المدفن السيئة بدأت في عام 1807م

حينما توفيت السيدة توماسينا جودارد و ذهب الجميع لفتح المدفن ليصاب الجميع بالحيرة و الخوف حيث أختفي النعش الخاص بالسيدة إليزبيث دون أي أثر مع علمهم أن القبر لم يفتح منذ دفن السيدة إليزبيث

إلا في اليوم الذي لاحظوا فيه اختفائه، قرر الجميع تناسي الأمر و الميل الي أن أحدهم أخرجه سلفاً و انتهي الأمر .

لتنتقل ملكية المدفن بعد تلك الحادثة بشهور قليلة إلي عائلة تشيس الثرية و يقبل الكولونيل توماس تشيس

أن يظل النعش الخشبي الخاص بالسيدة توماسينا في مكانه حيث رأي أنه لا داعي من إثارة ذعرها في نومتها الأبدية

كانت عائلة تشيس غير محبوبة بين الناس لما شاع عنها عن سوء معاملة الكولونيل للعبيد و الإشراف بنفسه علي تعذيبهم و إذاقتهم الويلات بالإضافة إلي أنهم ذات تصرفات شاذة غريبة الأطوار.

و في فبرايرعام 1808م توفيت الصغيرة ماري آن تشيس في عمر عامين لتكون اول المنضمين من عائلة تشيس في مدفنهم في تابوتها الصغير المصنوع من الرصاص الذي وضع بالقرب من نعش السيدة توماسينا

إلا أنه لم يلاحظ أي سلوك غريب ففي عام 1812م لحقت بماري أختها الكبري دوركاس و التي ماتت منتحرة نتيجة معاناتها مع والدها

و تلقيها شتي لأنواع العذاب منه فقررت مقاطعة الطعام حتي أستقبلها الموت لتكون ثاني المنضمين من العائلة في قبرها الرصاصي الثقيل إلي المدفن دون أي حوادث غريبة.

 أري الحماس بدأ ينسحب من عينيك لكن تماسك فها قد بدأ الجزء المثير في الموضوع، حيث انتحر الكولونيل بعد ابنته بشهر واحد ليوضع في نعش من الرصاص يزن 109 كيلوجرام

محمول علي أكتاف 8 من الرجال الأشداء الذين تقدموا لفتح المدفن ليصاب الجميع بالذهول فقد كان المدفن في حالة من الفوضي فالنعوش الخاصة بالفتاتين في حالة سيئة حيث وجد نعش ماري مدفوعا بجانب الجدار و نعش دوركاس مثبت بشكل عمودي علي الحائط و مقلوب رأسا علي عقب

و لكن مال الجميع إلي أن القبر تعرض لعملية سرقة مع الرغم عزيزي أنه جلي للعين أن القبر بكامل هيئته لم ينتقص و لو حبة رمل و حالة الجثث سليمة تماما

و لكن الوضع لم ينتهي هنا و لكنه كان البداية فقط فخلال الاربع سنين التي تلت دفن توماس تشيس زعم أهل الجزيرة الذي كانوا يمرون بالقرب من المدفن سيء السمعة بسماعهم لأصوات عواء ذئاب و صرا أشخاص تنبعث من المدفن

حتي أتي وقت نقل جثة تشارلز بروستر آمس البالغ 11من عمره من مدفن آخر و قد حضر عملية النقل أغلب سكان الجزيرة ليشاهدوا ماذا سيجدوا عند فتحهم المدفن، قام رجال أقوياء بتحريك حجر الرخام الضخم

الذي يسد فوهة المدفن وسط ترقب الجميع ليفاجئ الجميع بتبعثر محتويات القبر و اضطرابه للغاية بما في ذلك التابوت الخاص بالسيد توماس لذي يزن 109 كيلو جرام، كانت التوابيت مبعثرة لدرجة توحي لك بأن هناك من كان يلعب النرد بتلك التوابيت و كان ذلك دون وجود أي اثار علي السرقة او النهب.

بدأت القصة تترسخ بين أذهان الجماهير و تنتقل بين ألسنة الناس و بدأت الاراء تنتشر ما بين الاشباح و السحر الاسود و الكائنات الخرافية و جميعها تتفق أن المدفن كان أمره يفوق الطبيعة

خاصة بعد حادثة روتها سيدة حيث قالت أنها مرت بالقرب من المدفن علي ظهر حصانها لتسمع لاصوات تأوهات و صرخات و أصوات تهديد و وعيد ممزوجة بالغضب و الزمجرة

حتي أن الحصان أصابه الذعر فدخل في حالة هياج و أخذ الزبد يخرج من فمه و هو يحاول أن يسقطها من علي ظهره و مما أكد مقولة تلك السيدة هو ما أصاب بقية الأحصنة في الايام التالية من حالة هياج و جنون حتي انهم كانوا يسبقون الريح باتجاه الخليج ليلقوا بأنفسهم في المياه ليغرقوا، و كأنها تري ما لا يستطيع احد أن يراه .

و بعد 52 يوم من دفن تشارلز توفي صامويل بروستر و الذي قرر له أن يدفن في ذلك المدفن المشؤوم و عندما وصلوا به الي المدفن تفقدوه من الخارج اولا ليتأكدوا أنه محكم الغلق و ان قدما لم تمسه

كما لا توجد أي اثار لتسريب المياه و لكن المفاجأة دائما تقبع في الداخل و بالفعل فعند دخولهم المدفن اكتشفوا مرة أخري أن التوابيت مبعثرة و في حالة فوضي عنيفة للغاية و كذلك الحالة ففي عام 1819 تم فتحه

ليتم دفن السيدة كلارك ليجدوه كالعادة في حالة فوضي عارمة إلا أنهم لاجظوا شيء غريب و هو أن التابوت الخشبي لسيدة توماسينا لم يتحرك قيد أنملة من مكانه برغم الفوضي العارمة في المكان إلا أنه قد أصابته بعض الاضرار نتيجة اصطدام إحدي التوابيت به .

أثارت كل تلك الحوادث الغريبة حفيظة محافظ باربادوس” الحاكم كامبرمير” حيث حضر جنازة تشيع جثمان السيدة كلارك و شاهد بنفسه الوضع المزري للأكفان

و قرر أن ينظر بنفسه في أمر ذلك المدفن الغريب فقام بفحص أرضية المدفن جيدا ليتاكد من عدم وجود أي أنفاق او مدخل خفي ليتأكد أن البناية سليمة تماما حتي من الشقوق و التصدعات و بعد فحص دقيق و تام تم رش أرضية المدفن بالرمال البيضاء و ذلك لكشف آثار أقدام ذلك العابث

ثم قام بتغليف الحجارة التي تسد الفوهة بالاسمنت و وضع عليها أختامه، و بعد ثمانية اشهر لم يستطع الحاكم التحمل اكثر من ذلك حيث بلغ به الفضول مبلغه فقرر إعادة فتح المدفن و بالفعل حضر هو و ثمانية من عبيده و مجموعة من رجاله و حشد من البنائين و في قول أخر يقال اثنين من البنائين و احاط بهم المئات من المتفرجين الفضولين و عندما وصلوا تأكد الحاكم بأن أختامه كما هي سليمة التي طبعها بنفسه إلا أنه أراد التأكد بنفسه من حال المدفن بالداخل فأمر بفتحه و كان الأمر جليا منذ الوهلة الأولي أن الوضع ليس طبيعيا نهائياً

فقد كان كفن توماس تشيس الثقيل يسد فوهة المدفن تماما حتي أن الأمر تطلب جهد العديد من الرجال لتحريكه و فتح مدخل المدفن الذي كان يعج بالفوضي فقد كانت الفوضي أشد و أعنف من سابقتها، بعضها ملقي فوق بعض و البعض الأخر مقلوب رأس علي عقب منها ما يسند علي الحائط حتي أن تابوت ماري قد تكسر جزء منه نتيجة اصطدامه بالحائط و لكن هذه المرة كانت ضربة في مقتل للجميع فقد كانت الطبقة الرملية خالية من أي أثار لأقدام عابث أو مخرب، حتي أن ناثان لوكاس عضو مجلس نواب باربادوس و شاهد من ضمن الشهود قال:

” تفصحت الجدران و كل جزء من المدفن، وجدت كل شيء فيه كما هو. و كان برفقتي أحد البنائين و قام بضرب كل جزء في أسفل الجدران بمطرقته و كانت كلها صلبة.اعترفت لنفسي في حيرة أن هذه التوابيت المصنوعة من الرصاص تتحرك من نفسها و بالتأكيد لم يكن للصوص يد في ذلك و إن كان الامر عبارة عن خدع و العاب سحرية فانها تتطلب الكثير من الاشياء الضرورية حتي يمكن الوثوق بها للابقاء علي هذه السر مجهولا. و إما إن كان للزنوج علاقة بالامر فإن خوفهم الخرافي من الموتي و كل ما يتعلق بهم يحول دون أي فكرة من هذا القبيل. إن كل ما أعرفه هو أنه حدث و أنني شاهد عيان علي الواقع”

أوضحت زوجة الحاكم :

“في وجود زوجي ، بدا كل جزء من الأرض للتأكد من عدم إخفاء أي ممر أو مدخل تحت الأرض. تم التأكد على أن تكون قوية ومتينة تماما. لا صدع كان حتى واضح. 

أثبتت الجدران ، عند فحصها ، أنها آمنة تمامًا. لم يكن هناك أي كسر مرئي ، والجانبان ، بالإضافة إلى السقف والأرضيات ، قدما هيكلًا قويًا كما لو كان مكونًا من ألواح حجرية بأكمله

عند رؤية هذا المشهد القاتم وغير المفسر ، قرر الحاكم وضع حد لهذه الظاهرة بشكل نهائي. ذهب نحو أمر دفن الجثث في مقابر فردية في جميع أنحاء مقبرة أبرشية كنيسة المسيح. أمرت قبو تشيس نفسها بالبقاء شاغرة ولم يتم دفن جثث أخرى هناك. 

حتي إنه ظل فارغا حتي يومنا هذا و أصيح معلماً سياحياً.

و الأن نستعرض التفسيرات التي طرحها بعض المفكرين و الاراء الاكثر شيوعا:

  1. يفترض السير آرثر كونان دويل صاحب سلسلة شيرلوك هولمز أن السبب في ذلك هو أرواح ” دوركاس و توماس” لانهما ماتا عن طريق الانتحار فقضي علي روحيهما عدم الراحة و العذاب و الغضب الدائم ، لكن الجميع تناسي حادثة السيدة إليزابيث و التي حدثت قبل أن تمتلك عائلة تشيس المدفن من الاساس
  2. مال البعض إلأي أن السبب هو الزلازل و لكنها كانت ضعيف لسببين اولهما هو عدم وجود تصدعات او تشققات في المدفن، و ثانيهما هو ان الامر لم يحدث في أية مقابر اخر
  3. رجح البعض العنصر البشري و خاصة الزنوج نظرا لما اشتهر عن توماس عن تعذيبه للزنوج و معاملته القاسية الغليظة و لكنها كانت كالعادة ضعيفة لعدة اسباب و هي : ناثان لوكاس انكرها عن الزنوج نظرا لمعتقداتهم و ثانيها هو عدم وجود اثار لاقدام علي الطبقة الرملية ثالثها هو وجود كفن توماس الذي كان يسد المدخل فلو أن احد اقتحمها فلن يستطيع الخروج كما أن الختم الذي وضعه الحاكم بنفسه لم يتم إذالته
  4. كان البعض يحاول تعليل ذلك بحدوث حالة فيضان الذي يحدث من أرضيه المدفن و لكن لو كان ذلك فلماذا لم يتحرك تابوت توماسينا كما أنه لم يتم العثور علي أي آثار للمياه
  5. ام الراي الاخير فهو أن البعض يري أن للماسونية علاقة بالامر حيث أن القصة مليئة بصور الماسونية حيث صادف باحث جو نيكيل بعض المراجع المثيرة للاهتمام من الماسونية ، ادعى أن بعض الإصدارات القديمة من القصة تحتوي على الكثير من صور الماسونية ، مثل السقف المقوس، صوت المطرقة والرجال يختمون الباب بالإسمنت ويشار إليهم باسم البنائين.

 كان نيكل مقتنعا بأن القصة عن الأقبية والتوابيت المتحركة لم يكن المقصود منها أن تؤخذ بالمعنى الحرفي ولكن كانت رمزية مبنية على الرموز مع نوع من رسالة أعمق. 

حتي يومنا هذا و الجدل قائم و الغموض مسيطر و الاراء تضطرب فما هو رايك؟؟

About The Author

About Me

عبدالله محمد
More Posts

Related Posts

سلسلة قصصية : الخيط الأحمر(4)

الفصل الرابع  ” طقوس الحضور “ في الثالثة فجراً ، استيقظت ملك على صوت غير واضح من هاتفها ، رسالة صوتية ، مشوشة ، لا يظهر فيها سوى همسات متداخلة…

سلسلة قصصية : الخيط الأحمر(3)

الفصل الثالث ” سجل الطقوس“ الأرشيف ليس مجرد مكان للملفات المهترئة  .. هو مقبرة للحقائق التي لم يرغب أحد في دفنها علناً . هناك .. في الطابق السفلي من مكتبة…

Comments (0)

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *