البحر البديع يعانق السماء بشدة ليصنعا لوحة من الجمال و الامتزاج، الشمس تلقي بأشعتها علي المدينة العامرة الوحيدة في جزيرة أوسيل

تلك الجزيرة الصخرية، هي ذاتها الجزيرة التي أشتهرت بخمرها المميز و الفاخر، لكن تلك الجزيرة كانت شهرتها بسبب شيء آخر سنعرفه في السطور التالية.
يشرق شمس يوم الأثنين الموافق ٢٢يونيو من عام ١٨٤٤ حيث ذهبت السيدة دالمان لزيارة قبر والدتها و كان من عادة العائلات في تلك الحقبة إنشاء الكنائس تجاورها المقابر الخاصة بها
و كانت قد ربطت عربتها في عمود مقابل لكنيسة عائلة باكسودن و عندما عادت بعد عدة دقائق كان الحصان في حالة رعب قاتلة فقد كان في حالة هياج شديد و أخذ يرغي و يزبد فاستعدت للسيدة دالمان الطبيب البيطري للمدينة
فقام بعملية تعرف بعملية فصد الدم حتي عاد الحصان لحالته الطبيعية و هدوئه، حينها سارعت السيدة دالمان إلي قصر البارون دي جالدينستاب
لتروي له تفاصيل الواقعة و برغمه اهتمامه و أدبه إلا إنه لم يقتنع بتاتاً بتلك القصة و ارجع السبب إلي لدغة نحلة أو خوف الحصان من كائن صغير آخر.
و كانت تلك هي البداية فقط، ففي يوم الأحد من الأسبوع الذي يليه ذهب مجموعة من الأشخاص لكنيسة باكسودن و كانوا قد ربطوا خيولهم بالقرب من المدفن الخاص بالكنيسة
وبعد الانتهاء من مراسمهم الدينية خرجوا ليجدوا خيولهم قد أصابها الهلع، لم ينتهي الأمر إلي هنا فبعدها بعدة أيام أدعي عدد من الاشخاص أنهم سمعوا أصوات دمدمة تأتي من قبو الكنيسة و الذي كان يستخدم كمدفن.
تكررت حوادث الخيول بدل المرة مرات عديدة كلها تتفق في نفس الكيفية و نفس المكان و نفس الذعر، حتي بدأ البعض يشك في الأمر و أخذ الجميع يتهامسون “ما سبب ما يحدث؟!!”
كثرت الأقاويل و انتشرت الشائعات و كثر اللغط بين الناس فطالب السكان المسئولين بإجراء بحث و تحقيق في ذلك الأمر العجيب و تلك الظواهر الغامضة
استجاب المسئولون لذلك لكن عائلة باكسودن اعترضت بشدة و ألصقت التهمة بأعداء العائلة و أن الأمر برمته ما هو إلا مكيدة للسخرية من العائلة و العبث بمقدساتها
بعد الضغط المتزايد علي العائلة وافقت علي مضض و اختارت وفد ودي يمثل العائلة ليدخل القبر الذي يضم النعوش قبل دخول الجهات الرسمية للتحقيق و الفحص.
عندما دخل وفد العائلة كان بانتظارهم مفاجأة، فعندما دخلوا القبو وجدوا كل النعوش خرجت من أماكنها تماماً و تراكمت فوق بعضها في كومة غير منتظمة
كما فحصوا النعوش فوجدوها سليمة لم تفتح فاستبعدوا أن من فعل ذلك سارق، من ثم أعادوا النعوش إلي أماكنها في رفوف حديدية مقامة في القبو لتحمل النعوش
و انتهوا من مهمتهم و احكموا غلق القبو بل و صبوا علي الأقفال رصاص منصهر ليقطعوا علي أي عابث أن يعود ليشيع الفوضى في مدافن العائلة.
و عليها فقد توقفت الحوادث الغريبة و الظواهر الغامضة فترة من الزمن و مضت الأيام هادئة، حتي جاء يوم الثالث من يوليو
حيث اتجه فوج من الرجال لكنيسة باكسودن لقضاء شعائرهم الدينية و كانوا قد ربطوا 11 حصان بالقرب من الكنيسة، و كما توقعت تماماً عزيزي لقد ثارت الخيول و دب الرعب دبيبه في قلوبها
و ظلت تتقهقر و تنتفض بل و زاد عليه أن ألقت بعض الخيول بنفسها أرضًا في محاولة للفكاك من لجامها، الجميع في صدمة تفوق الحد
وما إن وصل خبر الخيول لأصحابها كان قد مات ستة منها الأمر كان مثير و غريب و مفجع في ذات الوقت.
بعدها ثارت ثورت الأهالي و علي رأسهم أصحاب الخيول الميتة و نظموا مسيرة حتي محكمة الكنيسة التي تنعقد في أينسبورغ و طالبوها بالتدخل الفوري
و العاجل لوضع حلول حاسمة، فضربت الحيرة أعضاء المحكمة ومن قبلهم المسئولين، كيف سيتصرفون في تلك الظاهرة الغامضة، إنهم في مواجهة الغامض.
لكن القدر تدخل لينقذ الموقف قبل أن تفلت زمام الأمور، لقد توفي أحد أعضاء عائلة باكسودن وبعد انتهاء مراسم الجنازة، قرر بعض أفراد العائلة اصطحاب النعش الجديد إلى القبو
الذي أصبح مصدر قلق دائم للعائلة. قاموا بصهر الرصاص الذي يختم الأقفال، وفتحوا باب القبو، ليواجهوا بمشهد عجيب.
مرة أخري تهرب النعوش من أرففها الحديدية لتتجمع في وسط القبو في كومة كبيرة غير منتظمة السكل بعضها مقلوب رأسا على عقب
فأقتنع أفراد العائلة أن احدهم يعبث معهم لكن كيف و الأقفال عليها رصاص منصهر، تجاهلوا الأمر و أعادوا النعوض لأماكنها وجعلوا الأمر طي الكتمان.
و لكن بطريقة ما تسرب الخبر كالنار في الهشيم، ولم يمر ذلك الخبر مرور الكرام علي الأهالي فقط كثر اللغط وانتشرت الشائعات و تفشت المبالغات الخيالية، فما كان من المحكمة إلا أن حسمت أمرها
تجنباً لخلاف قد ينشب فقررت بضرورة فحص المقبرة، و كانت العائلة لا تزال علي تعنتها و عنادها إلا أن أحد عقلاء العائلة استطاع إقناع بقية الأفراد
أنهم لو أرادوا تجنب الكلام و قطع الألسن فهذا هو الوقت المناسب لدخول المقبرة و ذلك بعد أن أعاد أفراد العائلة النعوش لأماكنها.
قام البارون جالد ينستاب، رئيس المحكمة الكنيسة، بصحبة اثنين من أفراد العائلة بزيارة القبو. كان باب القبو مغلقا، ورصاص الأقفال لم يمس. وعندما فتحوا باب القبو كانت المفاجأة
للمرة الثالثة علي التوالي النعوش تكومت علي الأرض بطريقة عشوائية غير منتظمة وبلا نقاش، أعادت اللجنة النعوش إلى مكانها
وخرجت من القبو، ثم أغلقت الباب بإحكام، وقد قرر البارون أن ما حدث يستوجب دراسة جادة من جانب الجهات المسؤولة فالوضع تخطي كونه صدفة.
و قد طلب البارون من الكنيسة أن تختار قسيساً يشارك في البحث علي رأس فريق خاص و مع سكرتير يدون و يسجل كل ما يحدث من قول و فعل.
و عندما بدأت الهيئة المختارة عملها توجهت إلي القبو، فوجدت الأقفال سليمة لم تمس و بالرغم من هذا عندما فتحوا باب القبو وجدوا الأمر كما هو المعتاد النعوش في حالة فوضي عارمة
لم يظهر على أي نعش علامات أو آثار لمحاولة فتح النعش، لكن الهيئة أصرت إلى فتح نعشين، لمعرفة إذا ما كانت السرقة هي الدافع إلى ما يحدث بالقبو، وهذا الإجراء أثبت أن ظنون الهيئة لم تكن في محلها
فقد كانت الجواهر على جثمان المتوفي في مكانها لم تمس، الوضع يزداد سوء و يزداد تأزماً فلا يوجد دافع لكل ما يحدث، بل والأدهى هو كيف يدخل العابث بالنعوش؟
أقترحت الهيئة أن العابث يستخدماً أنفاق خاصة تؤدي إلي أرض القبو عوضاً بذلك عن أستخدام الباب، فجلبو عدد من العمال وقد قام العمال بحفر خندق حول القبو
بهدف اكتشاف احتمال وجود نفق يؤدي إلى جدران القبو، ولكن بلا نتيجة. بعد ذلك الجهد المخيب للآمال، لم يجد أعضاء الهيئة من تفسير
سوى العودة إلى القول بأن المقتحم قد دخل بطريقة ما من خلال الباب.
لذلك لجئت الهيئة المخولة بالأمر بنصب فخ للمقتحم أيما كانت طريقة دخوله، فقد نثروا علي أرضية القبو التراب الأسود من الخشب المحروق المطحون ليكشف آثار الأقدام ما إذا كان هناك مقتحم
و أحكموا غلق باب القبو و نثروا التراب الأسود علي الدرج أيضاً و لم يكتفوا بذلك بل وضعوا عليه حرس مسلحا بالقرب من القبو على مدى 72 ساعة متواصلة
لم يلحظ الحرس أي شيء غير عادي، كما لم يسمعوا شيئا غريبا. وقد حرص سكرتير اللجنة على أن يسجل في تقريره أسماء الحراس.
و بعد مرور 72 ساعة عادت الهيئة لتستكمل عملها، التراب الأسود علي الدرج كما هو لا يحتوي علي أية آثار
الأقفال سليمة، لكن بداخل القبر كانت النعوش تقف علي رأسها موزعة في أنحاء القبر و كأنها تقف هازئة بالهيئة و أعضائها.
كانت اللجنة في مأزق غريب و مرعب، كتب السكرتير أنه ما من مقتحم للقبو و أعترف بفشل اللجنة في تحقيق غرضها
و طلبت بنقل النعوش لمقبرة أخري لتجنب الاحتكاك بذلك المأزق مرة أخري
و كانت عائلة باكسودن تفهمت الموقف فوافقت علي الفور علي توصية الهيئة و نقلت نعوشها .
- سلسلة قصصية : الخيط الأحمر(4)
- خاطرة :صورة وذكري
- سلسلة قصصية : الخيط الأحمر(3)
- قصيدة : النسيان
- قصة : عقار الحياة
About The Author
About Me
