قصة : الخيط الأحمر

الفصل الأول ” آثار الغٌسل “

المدينة لا تصرخ بل تهمس ، تتقيأ أسرارها في زوايا الشوارع ، تحت المطر ، خلف الأبواب المغلقة

و أعين الحيطان ، وفي ذلك الفجر الرمادي ، حيث الضباب لا يميز بين حي و ميت ، عُثر على الجثة .

كانت مستلقية على سرير بلا ملاءة ، وسط شقة لا رائحة لها ، الجدران صامتة ، والنوافذ مفتوحة ، كأن الهواء نٌذر ليحمل خبر موتها برفق .

امرأة ثلاثينية ، بشرة نظيفة ، كأنها خرجت توا من حمّام دافئ ، شعرها مبلل و مسرّح ، يوحي بيد اعتنت به قبل أن تمضي

و عند عنقها خيط حرير أحمر ، مشدود برقة تكاد تكون عاطفية .

المحقق حازم الزيات وقف عند الباب ، لا يمسك دفتره ، ولا يأمر أحداً ، كان فقط يحدق

قال الطبيب الشرعي بصوت خفيض ” لا كسور .. لا كدمات .. لا أثر للمقاومة ، ماتت بسكينة “

رد حازم دون أن يلتفت ” بل ماتت بإذن “

كل شئ في الجريمة يقول إنها اختارت الرحيل ، لكن عيناها كانتا مفتوحتين ، تحدقان في السقف كمن سُرقت منه آخر كلمة

دخل المصور ليلتقط المشاهد ، وحين اقترب من الرأس ، سمع همساً لم يفهمه ، فتراجع مذعوراً ، نظر إليه الجميع لكنه لم يتكلم .

اقترب حازم وحده ، أغلق عينيها بأطراف أصابعه ، ببطء

كما لو كان يعتذر لها ، وفي قلبه تردّد صوت قديم ” بعض الموتي لا يريدون الغفران ..يريدون فقط أن يُسمعوا “

في الخارج

وقفت ملك عبد المجيد  ، تدخن سيجارتها بسرعة ، و دفتر ملاحظتها مفتوح على الصفحة نفسها منذ دقائق ، كان المطر يبلل كتفيها

لكنها لم تتحرك ، عيناها تحدقان في شاحنة الطب الشرعي ، ثم إلى النقالة البيضاء ، ثم إلى الخيط الأحمر ، قالت لنفسها

 ” هذا ليس مجرد قاتل هذا كاهن “

و قبل أن تصعد إلى سيارتها وصلها إشعار علي هاتفها

 ” تمت إزالة مقالك الأخير ، الإدارة ترفض نشر نظريات عن قاتل طقوسي”

ابتسمت بسخرية ، أغلقت الهاتف و أخرجت ورقة صغيرة من محفظتها ، كان مكتوب عليها  بخط يد أنيق ” الليلة ..سترين ، فقط افتحي عينيك جيداً “

أسفل الورقة كانت هناك شعرة مبللة ، ملتفّة حول خيط حرير أحمر .

في المساء … كان حازم في مكتبه ، يتأمل صورة الضحية على اللوح أمامه ، سبع ضحايا خلال عامين ، كلهن بنفس الدقة ، بنفس الطقس

الشرطة لا تملك خيطاً حقيقياً ، لكن القاتل يملك خيطاً أحمر ، ويمتد من أول ضحية حتى قلب المحقق نفسه .

وفي العتمة ، في مكان لا يعرفه أحد ، جلس رجل أمام مرآة ، يُسرّح شعر دمية بشرية بلا عيون ، ويهمس لهت

” هل غفرت لي ؟ “

ثم شد الخيط الأحمر حول رقبتها وعانقها طويلا .

يُتبع …

About The Author

About Me

ماجي العقيلي
More Posts

Related Posts

سلسلة قصصية : الخيط الأحمر(4)

الفصل الرابع  ” طقوس الحضور “ في الثالثة فجراً ، استيقظت ملك على صوت غير واضح من هاتفها ، رسالة صوتية ، مشوشة ، لا يظهر فيها سوى همسات متداخلة…

سلسلة قصصية : الخيط الأحمر(3)

الفصل الثالث ” سجل الطقوس“ الأرشيف ليس مجرد مكان للملفات المهترئة  .. هو مقبرة للحقائق التي لم يرغب أحد في دفنها علناً . هناك .. في الطابق السفلي من مكتبة…

Comments (0)

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *